الأحد، 14 ديسمبر 2025

حين يفتح الليلُ قلبَه ... إعداد بقلم .. بقلم شيرى شريف✍️

 لا يتوفر وصف للصورة.

حين يفتح الليلُ قلبَه ليلة مرصعة بالنجوم قراءة فى فسلفة فان جوخ الزرقاء 💙
لا أعرف لوحة حملت في عمقها ما حملته ليلة مرصعة بالنجوم من صراع إنساني ولا أعرف سماءً تشبه روح إنسان كما تشبه هذه السماء روح فان جوخ، وكأنها ليست سماء بل جسد مضطرب يتنفس ويتلوى ويصرخ ثم يهدأ في اتساع لا ينتهي. هذه اللوحة ليست مشهدًا ليليًا، بل اعتراف طويل خرج من بين أنفاس رجل يقف على الحافة يحاول أن يفهم العالم بينما يعاركة الضوء من الداخل. رسم فان جوخ اللوحة عام 1889 من نافذة غرفته في المصحة، لم يرسمها ليلًا بل استعادها من ذاكرته، كأنه يخشى أن يتسرب منه المشهد كما تتسرب النوافذ المفتوحة من حياة المنكسرين، ومع ذلك لم تكن ذاكرته ناقلة بل خلاقـة لم يرسم ما رأته العين بل ما احتملته الروح، فجعل الليل أكثر صدقًا مما هو عليه، وجعل الاضطراب أكثر جمالًا مما يليق بالحزن. في هذه اللوحة تبدو السماء الكيان الوحيد الحقيقي، الأرض في الأسفل هادئة منكمشة في ظلالها، بيوت صغيرة تخاف أن ترفع رأسها نحو الأزرق بينما السماء ليست سماء بل شئ دوامات من الضوء وخطوط مرتجفة وصدر يعلو ويهبط بعد بكاء طويل. هذا الالتواء ليس زينة بل فعل روح لم يعد يسعها الجسد فتمدّدت في السماء النجوم ليست نقاطًا مضيئة بل جروحًا مفتوحة كل نجمة دائرة وكل دائرة موجة وكل موجة تنبّهك أن هنا قلبًا يخفق وإنسانًا ينهار ويقوم من جديد. كان فان جوخ يبحث عن الله في الضوء وعن الخلاص في الأصفر وعن معنى لوجوده بين زرقة العالم وربما لهذا تبدو النجوم كأنها بقايا صلاة لم تكتمل صلاة خرجت من فم حائر ثم صعدت إلى السماء لتصير ضوءًا تلك اللوحة التى تمثل التناقض بين أثر الاضطراب القديم في نفسه وبين خياله الذي لا سقف له، لكنني أرى أنها تمثل الصراع الأبدي بين ما نعرفه وما نخاف الاعتراف به، بين الترتيل الذي فقد معناه والسماء التي صارت المعنى كله كان فان جوخ ابنًا للفن لكنه هجر الحياة بالانتحار ولم يستطع يومًا أن يهجر الفن فعاد يبحث عنه في الضوء والنجوم واللون وفي شيء يهتز داخل الروح حين يتلامس مع الأزرق أما الشجرة الداكنة التي تقف كاللهب في المقدمة فليست عنصرًا فنيًا بل علامة يد تمتد نحو السماء تحاول أن تمسك الضوء ولا تمسكه يد تريد الخلاص لكنها تخشى الوصول وكأن فان جوخ يرسم نفسه واقفًا بين الأرض والسماء لا ينتمي لأي منهما لكنه محكوم بهما معًا ورغم كل هذا الاضطراب في السماء تبقى القرية أسفلها هادئة ساكنة الالوات مطفأة الأنفاس، والتناقض ليس صدفة فالازرق يمثل العالم الخارجي الذي لم يفهم اضطرابه بينما السماء تمثل عالمه الداخلي الذي لم يستطع أحد سواه رؤيته كأنه يهمس ما يراه الناس ليس ما يحدث في داخلة وما يضج في السماء هو الحقيقة أما ما يستكين على الأرض فمجرد ظل كم هو مدهش حقا تلك المشاعر التى نبت من الازرق الذى يقتحم لوحات فان جوخ كانها صرخات من صراع عميق من هذه اللوحة ومن حياة فان جوخ لأن الفن العظيم حين يخرج من قلب مكسور لا يموت بل يتحول إلى موجة أخرى في حياة اشخاص آخرون وهذا ما فعله فان جوخ حين سلّم آلامه للون فحملتها السماء ثم حملها العالم كله اللوحة اليوم في متحف الفن الحديث بنيويورك لكنّها لم تستقر يومًا في عين واحدة،فكل عين تراها بطريقة وكل قلب يسمع من خلالها صوته وربما هذا سرها ربما الحزن وربما التأمل ورلربما موجات اللون المنتثرة فى دوامات ى الفضاء أنها لا تقول الحقيقة بل توقظ حقيقتك أنت فعندما أراها أشعر أن فان جوخ لم يرسم ليلة بل رسم صرخة، رسم ما يحدث حين يصبح الألم واسعًا لا تقدر مجرد كلمات على احتوائه فاحتواتها الالوان فى باطنها قد رسم فان جوخ اللحظة التي يختلط فيها المرض بالعبقرية والصراع بالخيال والاغتراب بالحقيقة والضياع بالإيمان رسم ما يحدث للإنسان حين تلمس جراحه نار لا تُطفأ عاش فان جوخ حياة قصيرة مضطربة جروحًا لم تجد مكانًا لتشفى إلا في لوحاتة الزرقاء القاتمة وفي خمس سنوات رسم أكثر من ثمانمئة لوحة كأنه يهرب من الزمن ويخشى أن يغلق الباب قبل أن يقول كل ما يجب قوله ورغم ذلك بقيت ليلة النجوم الأقرب إلى قلب العالم لأنها ليست لوحة بل مرآة للصراع الانسانى مرآة لروح تبحث عن نفسها في فضاء الكون إن التأمل فيها يشبه الوقوف أمام روح تصارع ذاتها وكأنها تقول لك هذا هو الليل حين يُرى من الداخل هكذا تبدو النجوم حين تلمس جرحًا يدى وهكذا يبدو الضوء حين يخرج من إنسان يحاول ألا يغرق كل ما فيها يتكلم لكن بطريقة لا تُسمع بالأذن تُسمع بالقلب بارتجافة صغيرة في روحك حين تتذكر أن الفن لم يخلق لاابواب الجمال فقط بل وجد لمحاولاة للنجاة ولذلك تبقى ليلة مرصعة بالنجوم الاكثر ارتباطا بروحى لأنها ليست الأجمل بل الأكثر إنسانية لأنها حملت ما لم يستطع صاحبها حمله سمحت للعالم أن يتنفس من خلالها شيئًا من الحزن وشيئًا من الضوء وشيئًا من السؤال الذي لم يجد فان جوخ له جوابًا: كيف يمكن لليل بهذا العمق أن يصبح جسرًا نحو الخلاص؟ كيف للصراع يصنع الالوانا تشبة ارواحنا كيف للالم يخلق فنا يلامس حقيقتنا.
بقلم شيرى شريف✍️

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رسالة غرام ... بقلمي / سامية محمد غانم

  رسالة غرام أرسل اليك عبر الفضاء فراشاتي مع باقة ورد محملة بمشاعر كلها شوق وحب ليس لها حد مهما بعدت المسافات فأنت القريب مني مهما الغرام اش...