يونس بن مَتَّى ، عليه السلام.
يونس بن مَتَّى ، عليه السلام ، نبي من أنبياء الله ، بعثه الله إلى أهل قرية "نِيْنَوى" ، وهي قرية من أرض المُوصل بالعراق ، فدعاهم إلى الله ، فرفضوا دعوته ، وظلوا على كفرهم ، فخرج من بين أظهرهم غاضباً من أجل الله ، لأنهم ظلوا علي كفرهم ، وجَحدوا نِعم الله عليهم من الأموال والبنين والزروع والثمار وغيرها من النعم الظاهرة والباطنة ، ووعدهم بالعذاب من الله بعد ثلاث ليال .
خرج يونس عليه السلام من بينهم ولم يصبر علي جُحودهم ونُكرانهم الله وآياته ، وظن أنه إن خرج من بينهم غاضباً من أجل الله ، فذلك يكفيه ، وقد أدي ما عليه ، وظن أن الله لن يقدر عليه أي لن يُقرر عليه عُقوبة حال الخروج من ديارهم ، ولكن ما فعله عليه يونس السلام هو خلاف الأولي ، فكان الأولي به أن يصبر علي مُخالفتهم له وأن يجتهد في دعوتهم مِراراً وتِكراراً ، حتي تلين قلوبهم وتستقيم طباعهم علي منهج الله ، وقد أشار الله ( عز وجل) إلي ذلك فقال : { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنبياء : 87] .
أوصي الله ( عز وجل ) حبيبنا محمد ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أن يصبر علي عِناد وجُحود قومه ولا يكن كيونس عليه السلام ، فقال له ولنا ولكل صاحب دعوة إلي الحق والعدل علي منهج الله ورسوله إلي يوم القيامة: { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ }[القلم: 48] .
خرج يونس عليه السلام من ديار قومه ، ثم ركب إحدى سُفن البحر حتي يرحل بعيداً عن ديارهم ، ويتركهم وكفرهم وجحودهم ، ولما ركب السفينة ، جاءت رياح شديدة مُفاجئة علي غير العادة كادت أن تُغرق السفينة ، وهنا أخبر رُبان السفينة الركاب بأنه لابد من تخفيف الأحمال حتي لا تَغرق السفينة ، فاقترعوا علي إلقاء أحد الركاب في البحر حتي تخف الأحمال ، فجاءت القُرعة علي نبي الله يونس ثلاث مرات فأُلقي في البحر لا مَحالة ، ولما أُلقي في البحر ، أوحي الله إلي نُون كبيرة أي سمكة كبيرة أن تلتقمه في جَوفها ، وأنه ليس غذاء لها ، فلا تكسري أيتها السمكة له عظماً أو تأكلي منه لحماً ، بل بطنك سجن له ومحبس له بعض الوقت عِقاباً له علي تركه قومه .
ظل يونس عليه السلام في بطن الحوت أربعين يومياً ، يجوب به البحار من أعلاها إلي أسفلها ، وبينما الحوت في قاع البحر ، إذ سمع يونس عليه السلام تسبيح دواب البحر الموجودة في القاع ، دواب البحر من الحيوانات البحرية وغيرها ، وكذا الحصي ، تسبح ربها وخالقها ، ففي هذا المكان من قاع البحر هتف يونس بكل جوارحه : { لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }، وسجد لربه سجدة في بطن الحوت ، في مكان لم يسجد فيه أحد لله إلا يونس عليه السلام ، فسمعت الملائكة دعائه ، فقالت : يا رب نسمع صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة؟ ، فأجابها ربها بأنه صوت يونس بن متي ، فأثنت الملائكة عليه خيراً واستغفروا له ، وقالوا بلسان حالهم : يا رب إنه عبد صالح ، يصعد إليك منه كل يوم عمل صالح ، فهلا رحمته وفرجت عنه ، وجعلت عبادته لك في حال الرخاء سبب لتفريج همه وغمه في حال الشدة ، فقبل الله شفاعتهم ، وفي هذا المعني يرشدنا الحبيب ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ، فقد روى الإمام الترمذي من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ فَلْيُكْثِرْ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ ) .
أمر الله الحوت أن تَلفُظه من بطنها إلي أرض فضاء بجوار شاطئ البحر ، فخرج من بطن الحوت كالفرخ المنتوف لا جلد له ولا شعر ، وهو في غاية الاعياء والضعف ، فأنبت الله له شجرة من يقطين أي شجرة من نبات القرع ، فاكتسي بأوراقها وأكل من ثمارها ، وأوحي الله إلي الأرض أن اخضرت ونبت العُشب بها ، وأوحي الله إلي دواب الأرض من الحيوانات الأليفة كالأبقار والأغنام والماعز والإبل أن تأوي إلي مكانه ، فتأكل من العشب النابت ويشرب من ألبانها ، إنه كون مُسخر بأمر الله ، يقول للشيء كن فيكون ، وبعد أن عُوفي يونس رده الله إلي قومه ، وأكمل مسيرته الدعوية ، بعد أن وعي الدرس ، بوجوب الصبر ثم الصبر علي العُصاة والمُخالفين ، لعل الله أن يهديهم ويشرح صدورهم .
ذكر الله (عز وجل ) لنا قصته فقال : { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }[ الصافات : 139 ـــ 148] .
ونعود إلي قوم يونس ، فلما تركهم يونس ، ذهبوا إلي حكمائهم وسألوهم ، ماذا نصنع وقد تركنا يونس عليه السلام ؟. فأجابوهم : إن الأنبياء لا يكذبون ، فعليكم بمراجعه النفس والهوي والإيمان بالله الواحد الأحد قبل نزول العذاب المرتقب ، فآمنوا بالله ربا وبيونس نبياً من عند الله ، فرفع الله عنهم العذاب الذي قد بدت بوادره ، قال الله ( عز وجل ) : { فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } [يونس:98] .
اللهم ارزقنا الثبات علي كتابك وسنة نبيك محمد ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ، وارزقنا الحق والعدل والصبر والمصابرة مع المخالفين المعاندين لدعوة كتابك وسنة نبيك محمد ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
الأحد، 14 ديسمبر 2025
مقال .. يونس بن مَتَّى ، عليه السلام.... بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
رسالة غرام ... بقلمي / سامية محمد غانم
رسالة غرام أرسل اليك عبر الفضاء فراشاتي مع باقة ورد محملة بمشاعر كلها شوق وحب ليس لها حد مهما بعدت المسافات فأنت القريب مني مهما الغرام اش...
-
قوللي ساكت ليه اتكلم حابس دموعك حزين ومتألم شايل هم السنين جواك حاجات كتير لساها مش متحققة بتقول خلاص هنام وانسي كل الالام واهي عيشة وا...
-
قصيده بعنوان/ البعاد الشاعر / عامر عبده عامر مصر كيف حالك بعد الغياب ايش سوى بيك البعاد نابك ايه غير السهر والتعب وصار حوالين عينيك ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق